يكتب إسرائيل هارئيل في صحيفة هآرتس أن حركة حماس استعادت قبضتها على قطاع غزة بعد أيام فقط من عودة آخر الرهائن الأحياء، في مشهد يعيد تكرار أنماط الإخفاق الإسرائيلية القديمة في التعامل مع القطاع. يرى الكاتب أن الحكومة الإسرائيلية، رغم وعودها بإضعاف حماس بعد صفقة التبادل الأخيرة، عادت إلى سياسات مألوفة تقوم على استخدام الجماعات المحلية ثم التخلي عنها، ما سمح للحركة بإعادة فرض سيطرتها على الأرض بسرعة.
يشير تقرير هآرتس إلى أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المؤلفة من عشرين بندًا دعت حماس إلى تسليم سلاحها ونقل الحكم في غزة إلى جهة أخرى، لكن الواقع على الأرض سار في اتجاه مختلف. فقد بدأت الحركة في ملاحقة الميليشيات التي أنشأتها إسرائيل وسلحتها لمنافسة سلطتها، واستخدمت في تصفيتها الأساليب ذاتها التي أزاحت بها السلطة الفلسطينية عام 2007. ومع ندرة المباني العالية بعد الحرب الأخيرة، لجأت حماس إلى الرصاص بدل أسلوب الإلقاء من الأسطح الذي استخدمته سابقًا.
يستعيد الكاتب محطات تاريخية ليؤكد أن إسرائيل تكرر أخطاءها. فبعد انسحابها من لبنان عام 2000 تخلّت عن حلفائها المحليين، وبعد “الانفصال” عن غزة عام 2005 وعد الخبراء الإسرائيليون بأن الخطوة ستجلب الأمن، لكن النتيجة كانت العكس، وصولًا إلى هجوم السابع من أكتوبر الذي هزّ البلاد. ويعتبر هارئيل أن صانعي القرار اليوم يسلكون المسار ذاته: يثقون بوعود خيالية عن “اليوم التالي” من دون إدراك أن حماس باقية.
ينتقد الكاتب أيضًا الخطة التي يتبنّاها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي يفترض أن تمنح إسرائيل “حرية التصرف” في غزة بعد الحرب، من خلال نشر قوة دولية تضم جنودًا من دول مثل مصر وقطر وتركيا. ويسخر من الفكرة بوصفها تناقضًا استراتيجيًا، إذ يعهد الأمن الإسرائيلي إلى دول طالما كانت خصومة لتل أبيب. ويضيف أن دولًا أخرى كإندونيسيا وباكستان وأذربيجان تطلب الانضمام إلى تلك القوة، ما يجعل المشهد أكثر عبثية.
يصف الكاتب هذه الرؤية بأنها استمرار لوهم طويل عاشته المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي وثقت في الماضي بصفقات تبادل الأسرى وأطلقت قادة حماس مقابل وعود بالردع، مثل يحيى السنوار الذي عاد ليقود الحركة لاحقًا. ويرى أن الاعتماد على خبراء الأمن والباحثين الذين بشّروا بأن “حماس مردوعة” أثبت فشله الذريع.
ويؤكد هارئيل أن استمرار حماس في حكم غزة وبناء قوتها العسكرية سيجعل إسرائيل عالقة في دوامة جديدة من الصراع. فالمعابر ستُفتح، والأنفاق ستبقى، والقوة الجوية الإسرائيلية ستواصل القصف كما في لبنان، بينما تتجدد دورة المقاومة من دون نهاية. ويقول إن “التحالف الودود” بين الدول المشاركة في القوة الدولية لن يحقق أهداف إسرائيل الاستراتيجية، لأن جذور المشكلة سياسية وأمنية داخلية.
في ختام مقاله، يدعو الكاتب إلى إنشاء لجنة تحقيق رسمية تكشف إخفاقات الحكومة الإسرائيلية في إدارة الحرب وهجوم السابع من أكتوبر، مؤكدًا أن الشعب سيدفع نحو ذلك عاجلًا أو آجلًا. لكنه يحذر من أن تدخل المحكمة العليا لفرض تشكيل اللجنة سيُعتبر تجاوزًا لصلاحياتها، ما قد يثير تمردًا سياسيًا واسعًا بين أنصار الحكومة، ويقود إلى أزمة دستورية جديدة.
يختم هارئيل تحليله بنبرة تشاؤم قائلاً إن إسرائيل تسير مجددًا في الطريق ذاته الذي سلكته في الماضي، حيث تُكرَّر السياسات نفسها تحت شعارات جديدة. في نظره، “حماس لم تذهب إلى أي مكان، ولن تذهب”.
https://www.haaretz.com/opinion/2025-10-19/ty-article-opinion/.premium/hamas-is-already-back-in-control-of-gaza/00000199-f887-d582-a39f-faf70de00000